سورة النحل - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


الآية الرابعة:
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)}.
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ}: قال القرطبي: أجمع أهل العلم أن من أنكره على الكفر، حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر.
وحكي عن محمد بن الحسن أنه إذا أظهر الكفر كان مرتدا في الظاهر، وفيما بينه وبين اللّه على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا القول مردود على قائله مدفوع بالكتاب والسنة.
وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة مثل أن يكره على السجود لغير اللّه. ويدفعه ظاهر الآية فإنها عامة في من أكره، من غير فرق بين القول والفعل، ولا دليل للقاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ كما تقرر في علم الأصول.
{وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}: أي اختاره وطابت به نفسه.
{فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ}: ليس بعد هذا الوعيد العظيم- وهو الجمع للمرتدين بين غضب اللّه وعظم عذابه بقوله: {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106)} وعيد.


الآية الخامسة:
{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116)}.
{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ}: قال الكسائي والزجاج: (ما) هنا مصدرية، وانتصاب الكذب بلا تقولوا، أي لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم. ومعناه لا تحللوا ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة.
ويجوز أن تكون (ما) موصولة والكذب منتصبا بتصف، أي لا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام، فحذف لفظة فيه لكونه معلوما، فيكون قوله: هذا حلال وهذا حرام بدل من الكذب.
ويجوز أن يكون في الكلام حذف بتقدير القول، أي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام وقائله هذا حرام وهذا حلال.
ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية، أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب.
واللام في قوله: {لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} هي لام العاقبة لا لام العرض، أي فيعقب ذلك افتراؤكم على اللّه الكذب بالتحليل والتحريم، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل: {وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ} إلى آخر الآية، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا.
قال الشوكاني في فتح القدير: قلت: صدق رحمه اللّه فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فينا من أفتى بخلاف ما في كتاب اللّه أو سنة رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقيون بأن يحال بينهم وبين فتواهم ويمنعوا من جهالاتهم، فإنهم أفتوا بغير علم من اللّه ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل:
كبهيمة عمياء قاد زمامها *** أعمى على عوج الطريق الجائر
وقال الطبراني: عن ابن مسعود قال: عسى رجل يقول: إن اللّه أمر كذا ونهى عن كذا، فيقول اللّه له: كذبت! أو يقول: إن اللّه حرم كذا وأحل كذا، فيقول اللّه له: كذبت! انتهى.
وقال الحافظ ابن القيم رحمه اللّه في إعلام الموقعين: لا يجوز للمفتي أن يشهد على اللّه ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه، أو أوجبه أو كرهه إلا بما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص اللّه ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته.
وأما ما وجده في كتابه الذي تلقى عمن قلدوا فيه، فليس له أن يشهد على اللّه ورسوله ويغير الناس بذلك ولا علم له بحكم اللّه ورسوله.
قال غير واحد من السلف: ليحذر أحدكم أن يقول أحل اللّه كذا، وحرم كذا فيقول له اللّه كذبت لم أحل كذا ولم أحرمه.
وثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إذا حاصرت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم اللّه ورسوله فإنك لا تدري أتصيب حكم اللّه فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك».
وسمعت شيخ الإسلام- يعني الشيخ ابن تيمية رضي اللّه عنه- قال: حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم، فجرت حكومة حكم فيها أحدهم بقول زفر، فقلت له: ما هذه الحكومة؟ فقال: هذا حكم اللّه! فقلت له: صار قول زفر حكم اللّه الذي حكم به وألزم به الأمة! قل: هذا حكم زفر وقوله، ولا تقل حكم اللّه ونحو هذا من الكلام. انتهى.


الآية السادسة:
{ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}.
{ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ}: حذف المفعول للتعميم لكونه بعث إلى الناس كافة.
وسبيل اللّه: هو الإسلام.
{بِالْحِكْمَةِ}: أي بالمقالة المحكمة الصحيحة.
قيل: وهي الحجج القطعية المفيدة لليقين.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}: وهي المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها.
قيل: وهي الحجج الظنية الإقناعية الموجبة للتصديق بمقدمات مقبولة.
قيل: وليس للدعوة إلا هاتان الطريقتان. ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة ونحو ذلك من الجدل، ولهذا قال سبحانه: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: أي بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة، وإنما أمر اللّه سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقا وغرضه صحيحا وكان خصمه مبطلا وغرضه فاسدا.

1 | 2 | 3